Skip to main content
Table of Contents

المقدمة 

الخلفيَّة التاريخيَّة:

كُتب إقرارُ الإيمان البلجيكي في الأصل بيد جيدو دو بريه (Guido de Brès)، الذي كان راعي كنيسة مُصلَحًا، يتحدث اللغة الفرنسيَّة، وتلميذًا لكالفن في جنيف. ومع أن دو بريه كان الكاتب الأساسي لهذا الإقرار، فقد ساهم رعاة كنائس ولاهوتيُّون مُصلَحون آخرون في الشكل النهائي والمُستلَم لهذا الإقرار، منهم فرانسيس جونيوس (Francis Junius)، الذي صار لاحقًا أستاذًا مُصلَحًا شهيرًا في جامعة ليدن.

كُتب هذا الإقرار في عام 1561، ثم أُرسِلت نسخ منه إلى جنيف وإلى كنائس مُصلَحة أخرى للتصديق عليه. وظهر الشكلُ الحاليُّ للإقرار في وقت انعقاد سنودس دورت العظيم، أي عامي 1618-1619، حيث تمت مراجعة النص، والموافقة عليه رسميًّا بأربع لغات (اللغة الفرنسيَّة الأصلية، واللغة اللاتينيَّة، واللغة الهولنديَّة، واللغة الألمانيَّة). ثم بعد وقت قليل من كتابة إقرار الإيمان البلجيكي، عُرِض على الملك فيليب الثاني، ملك أسبانيا، الذي كان يحكم هولندا آنذاك، على أمل طفيف بأن يحظى الإيمان المُصلَح بالقبول. ومنذ البداية، تمتَّع هذا الإقرار بقبولٍ شديدٍ بين الكنائس المُصلَحة في هولندا.

ثمة أهمية خاصة للغرض من إعداد إقرار الإيمان البلجيكي، وعرضه على الملك فيليب الثاني؛ ففي وجه الاضطهاد العنيف الذي مارسه هذا الملك التابع لكنيسة روما الكاثوليكيَّة، وحُكَّامه، انصبَّ اهتمام جيدو دو بريه ومؤمني هولندا المُصلَحين على إثبات أن إيمانهم كان بحسب تعليم الكتاب المقدس، والإجماع القديم للكنيسة الجامعة المقدَّسة ومجامعها. وبالتالي، يحمل إقرار الإيمان البلجيكي نبرة نازعة إلى السلام، ولا سيما في إثباته لالتزام الإيمان المُصلَح بالتعاليم الكتابيَّة العظيمة عن الثالوث، وعن شخص المسيح وعمله. شجب هذا الإقرارُ تعليمَ كنيسة روما الكاثوليكيَّة في نقاط محوريَّة، لكن كان الهدف منه هو إقناع قارئيه بأن الإيمان المُصلَح ليس أكثر من كونه إيمان الكنيسة المسيحيَّة عبر التاريخ.

من الأغراض الأخرى لهذا الإقرار، وما يميِّزه عن إقرار إيمان فرنسا أو بلاد الغال الذي صدر في عام 1559، والذي يشترك معه إقرار الإيمان البلجيكي في العديد من أوجه التشابه المذهلة، هو إثبات تميُّز الإيمان المُصلَح عن إيمان "الأنابابتست" (Anabaptists). لم يكتفِ الأنابابتست، (الذين لا يعترفون بمعمودية الأطفال ويطالبون بمعمودية المؤمن الكبير سنًا) الذين كان لهم تأثير كبير في هولندا في الفترة الأولى من الإصلاح، برفض ممارسة معموديَّة الأطفال، بل رفضوا أيضًا شرعيَّة الحاكم المدني كخادم لله، وكأداة لممارسة سلطانه. وفرَّق الأنابابتست بشكل قاطع بين مملكة المسيح الروحيَّة، أي الكنيسة، والنظام المدني، ونادوا بانفصالٍ صارمٍ عن العالم، الأمر الذي تطلَّب رفض الخدمة العسكريَّة، وأداء القَسَم، وتسديد الضرائب. وتبيِّن السماتُ المميَّزة لإقرار الإيمان البلجيكي أنه كُتب للدفاع عن الإيمان المُصلَح ضد الافتراض بأنه كان يشترك مع إيمان الأنابابتست في هذه السمات المتطرِّفة.

محتوى إقرار الإيمان البلجيكي

إقرار الإيمان البلجيكي ليس شبيهًا بإقرارات سنودس دورت المكتوبة لمواجهة خطأ عقائدي مُحدَّد. لكنه، نظير الإقرارات التي سبقته، أي إقرار إيمان جنيف لكالفن، وإقرار إيمان بلاد الغال (اللذين اكتمل كلاهما في عام 1559)، ويقدِّم بيانًا شاملًا عن الإيمان المسيحي والمُصلَح.

بوجه عام، قُسِّمت محتويات البنود السبعة والثلاثين التي يتكوَّن منها الإقرار بحسب البنود الثلاثة لقانون إيمان الرسل. فبعد العديد من البنود التمهيديَّة التي تعرض وجهة نظر فكر الإصلاح عن الوحي وسلطة الأسفار القانونيَّة للكتاب المقدس (البنود 1-7)، يؤكِّد الإقرار أولًا حقيقة الثالوث، وأعمال الله في الخلق والعناية (البنود 8-13). ثم يعرض المقطع الجوهري من إقرار التعليم الكتابي عن شخص المسيح وعمله، مُفرِّقًا بين فهم الإصلاح عن الخلاص بالنعمة وحدها بواسطة الإيمان وضلالات تعليم كنيسة روما الكاثوليكيَّة في العصور الوسطى (البنود 14-23). ثم يعرض المقطع الختامي من الإقرار بيانًا موجَزًا عن شخص الروح القدس وعمله، يتضمَّن عدة بنود عن الكنيسة والأسرار المقدسة، بالإضافة إلى بندٍ خاص عن التعيين الإلهي، وخدمة الحاكم المدني.

مع أن إقرار الإيمان البلجيكي يُظهِر ملامحَ واضحةً تشير إلى البيئة التاريخيَّة التي كُتب فيها في الأصل، فإنه يظل واحدًا من أفضل إقرارات إيمان كنائس الإصلاح عبر التاريخ.

البند (1) الإله الوحيد

نؤمن جميعًا من كل قلوبنا، ونعترف بأفواهنا، بوجود كائنٍ روحيٍّ واحدٍ وبسيطٍ، ندعوه الله. وهذا الكائن سرمديٌّ، ويفوق الإدراك، وغير منظور، وغير متغير، وغير محدود، وقديرٌ، وكليُّ الحكمة، والعدل، والصلاح، وهو مصدرُ الفيضِ لكلِّ صلاح.

البند (2) الوسائل التي نعرف بها الله

نحن نعرف الله عن طريق وسيلتين: الوسيلة الأولى، عن طريق خلق الكون، وحفظه، وإدارته، نظرًا لأنه يبدو أمام عيوننا مثل كتاب فائق الروعة، فيه جميع المخلوقات، الكبيرة والصغيرة، تُشبِه أحرفَ كثيرةً تقودنا إلى التأمُّل في أمور الله غَيْر الْمَنْظُورَةِ، أي "قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلَاهُوتَهُ"، كما يقول الرسول بولس في رومية 1: 20. وجميع هذه الأمور كافية لإدانة البشر، وجعلهم بلا عُذر.

تتمثل الوسيلةُ الثانيةُ في أن الله يعرِّفُنا بذاته على نحوٍ أكثر وضوحًا عن طريق كلمته المقدسة والإلهيَّة بقدر ما نحتاج أن نعرفه في هذه الحياة لمجده ولخلاصنا.

البند (3) كلمة الله المكتوبة

نعترف بأنَّ كلمةَ الله هذه لم تُعطَ أو تُسلَّمْ بمشيئة إنسان، بل "تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" كما يقول الرسول بطرس.[1] وبعد ذلك أوصى الله—من منطلق اهتمامٍ خاصٍّ منه بنا وبخلاصنا—خُدَّامَه، من الأنبياء والرسل، بتدوين كلمته المُعلنة؛ كما كتب الله نفسه بإصبعه لوحي الشريعة. لذلك، نطلق على هذه الكتابات الأسفار المقدسة والإلهيَّة.

يضم سفر إرميا هنا سفر مراثي إرميا [1]

البند (4) الأسفار القانونيَّة للكتاب المقدس

نؤمن أن الكتاب المقدس يحتوي على كتابين هما: كتاب العهد القديم وكتاب العهد الجديد. وهذان الكتابان قانونيَّان ولا جدال عليهما بأي حالٍ من الأحوال. وفيما يلي قائمةٌ بأسماء الأسفار كما هي في كنيسة الله:

أسفار العهد القديم هي: أسفار موسى الخمسة التي تضم: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر التثنية؛ ثم سفر يشوع، وسفر القضاة، وسفر راعوث، وسفرا صموئيل، وسفرا الملوك، وسفرا أخبار الأيام؛ ثم سفر عزرا، وسفر نحميا، وسفر أستير، وسفر أيوب، والمزامير، والأسفار الثلاثة التي كتبها سُليمان وتضم: سفر الأمثال، وسفر الجامعة، وسفر نشيد الأنشاد؛ وأربعة أسفار للأنبياء الكبار هي: سفر إشعياء، وسفر إرميا[1] ومراثي إرميا، وحزقيال، ودانيآل؛ واثنا عشر سفرًا للأنبياء الصغار هي: سفر هوشع، وسفر يوئيل، وسفر عاموس، وسفر عوبديا، وسفر يونان، وسفر ميخا، وسفر ناحوم، وسفر حبقوق، وسفر صفنيا، وسفر حجي، وسفر زكريا، وسفر ملاخي.

وأسفار العهد الجديد هي: الأناجيل الأربعة التي تضم: إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا؛ ثم سفر أعمال الرسل؛ وأربع عشرة رسالة كتبها الرسول بولس تضم: رسالة إلى أهل رومية، ورسالتين إلى أهل كورنثوس، ورسالة إلى أهل غلاطية، ورسالة إلى أهل أفسس، ورسالة إلى أهل فيلبي، ورسالة إلى أهل كولوسي، ورسالتين إلى أهل تسالونيكي، ورسالتين إلى تيموثاوس، ورسالة إلى تيطس، ورسالة إلى فليمون، ورسالة إلى العبرانيين؛ ثم الرسائل السبع للرسل الآخرين، وهي: رسالة يعقوب، ورسالتان لبطرس، وثلاث رسائل ليوحنا، ورسالة ليهوذا؛ ثم سفر الرؤيا ليوحنا الرسول.

البند (5) سلطة الأسفار المقدسة

نحن نَقبَل جميعَ هذه الأسفار وحدها باعتبارها مُقدَّسةً وقانونيَّةً من أجل ضبط إيمانِنا وتأسيسِه وتثبيتِه، مصدِّقين كلَّ ما تحويه دون أدنى شك، ليس بسبب قبول الكنيسة لها وموافقتها عليها، بل بسبب شهادة الروح القدس في قلوبنا بأنها من الله، ولأنها أيضًا تبرهن نفسها بأنها من الله. وبالتالي حتى العُمي أنفسهم يستطيعون إدراك أن الأشياء التي تنبأت بها هذه الأسفار قد تحقَّقت.

البند (6) الفرق بين الأسفار القانونيَّة وأسفار الأبوكريفا

نحن نفرِّق بين هذه الأسفار المقدَّسة وأسفار الأبوكريفا، التي تضم سفري إسدراس الثالث والرابع، وسفر طوبيا، وسفر يهوديت، وسفر الحكمة، وسفر يشوع بن سيراخ، وسفر باروخ، وتتمة سفر أستير، وتسبحة الفتية الثلاثة من داخل الأتون، وقصة سوسنة، وقصة بال والتنين، وصلاة منسَّى، وسفري المكابيين. ويمكن للكنيسة قراءة جميع هذه الأسفار والتعلُّم منها بقدرِ اتفاقِها مع الأسفار القانونيَّة؛ لكن هذه الأسفار لا تمتلك السلطة والفاعليَّة التي تجعلنا نستخدم شهادتها للتأكيد على أيِّ بندٍ من بنود الإيمان أو الديانة المسيحيَّة؛ ناهيك عن أنها تنتقص من سلطة الأسفار المقدَّسة الأخرى.

البند (7) كفاية الأسفار المقدسة

نؤمن أن هذه الأسفار المقدسة تحوي بالكامل مشيئة الله، وأنها تُعلِّم على نحوٍ كافٍ كلَّ ما يحتاج الإنسان أن يؤمن به حتى ينال الخلاص. وبما أن النهجَ الكاملَ للعبادة التي يطالبنا بها الله مدوَّنٌ في هذه الأسفار على نطاق واسع، يحظر على أي إنسان -حتى إن كان رسولًا أو "مَلَاك مِنَ السَّمَاءِ"، كما يقول الرسول بولس[1]- أن يُعلِّم شيئًا آخر غير ما تعلِّمه هذه الأسفارُ المقدسة إلينا بالفعل. وبما أنه من المحظور زيادة أي شيء إلى كلمة الله أو الانتقاص منها،[2] يتبيَّن لنا بوضوح أن التعليم الموجود

غلاطية 1: 8[1]

[2]تثنية 12: 32؛ رؤيا 22: 18- 19

البند (8) الثالوث

بما يتَّسق مع هذا الحق الإلهي وكلمة الله، نؤمن بإلهٍ واحدٍ، له جوهرٌ واحدٌ، فيه ثلاثة أقانيم متمايزون تمايزًا فعليًّا، وحقًّا، وسرمديًّا، بحسب سماتهم غير القابلة للمشاركة؛ وهم على وجه التحديد: الآب، والابن، والروح القدس. الآب هو عِلَّةُ، وأصلُ، ومصدرُ كلِّ الأشياء، المنظورة وغير المنظورة؛ والابن هو كلمة الآب، وحكمته، وصورته؛ والروح القدس هو القوة والقدرة السرمديَّة، المنبثق من الآب والابن. لكن هذا التمايز لا يقسم الله إلى ثلاثة؛ لأن الأسفار المقدسة تُعلِّمنا أن لكلٍّ من الآب، والابن، والروح القدس وجودَه المميَّز من حيث السمات الخاصة، لكن هذه الأقانيم الثلاثة ليست سوى إلهًا واحدًا. من الواضح أن الآب ليس هو الابن، والابن ليس هو الآب، وكذلك الروح القدس ليس هو الآب ولا الابن. ولكن هذه الأقانيم المتمايزة ليست منقسمة أو ممتزجة معًا؛ فالآب لم يتَّخذ جسدًا، ولا الروح القدس، بل الابن وحده. كما أن الآب لم يكن قط دون الابن ولا دون الروح القدوس. لأنهم جميعًا سرمديون معًا، وواحدٌ في الجوهر. وليس فيهم مَنْ هو أول أو أخير؛ لأن هذه الأقانيم الثلاثة جميعًا واحد في الحق، والسلطان، والصلاح، والرحمة.

البند (9) شهادة الأسفار المقدسة عن الثالوث

نحن نعرف كل هذه الأمور من خلال شهادات الأسفار المقدسة وكذلك من خلال أعمال هذه الأقانيم، ولا سيما تلك الأعمال التي نشعر بها في داخلنا. ترد شهاداتُ الأسفار المقدسة التي تُعلِّمنا بأن نؤمن بهذا الثالوث القدُّوس في مواضع عدة من العهد القديم، ليس من الضروري أن نعدِّدها، لكننا سننتقي منها بحسب تقديرنا. في تكوين 1: 26-27، قال الله: "نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ". وفي تكوين 3: 22 يقول: "هُوَذَا الْإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا"؛ من خلال هذه الآيات، يتبيَّن لنا أن الذات الإلهيَّة فيها تعدد الأقانيم. كما قال الله: "نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا" ثم أشار الله إلى الوحدانيَّة عندما قال: "فَخَلَقَ اللهُ". صحيح أن الله لم يَذكُر هنا عدد الأقانيم، لكن ما يبدو لنا غامضًا نوعًا ما في العهد القديم يظهر واضحًا جليًّا في العهد الجديد.

حين اعتمد ربُّنا في نهر الأردن، سُمِع صوتُ الآب يقول: "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ".[1] كان الابن في الماء، وظهر الروح القدس على هيئة حمامة. لذلك أسَّس المسيحُ هذه الصيغةَ لمعموديةِ جميع المؤمنين عندما قال: "عَمِّدُوهُمْ [جميع الأمم] بِاسْمِ الْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ".[2] وفي إنجيل لوقا، خاطب الملاكُ جبرائيل العذراءَ مريم، أمَّ ربِّنا يسوع، قائلًا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ".[3] وفي أماكن أخرى، يقول الكتاب المقدس: "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ".[4] وكذلك أيضًا: "فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلَاثَةٌ: الْآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هُمْ وَاحِدٌ".[5] نتعلم من جميع هذه النصوص أن الجوهر الإلهي الواحد الوحيد فيه ثلاثة أقانيم. ومع أن هذه العقيدة تفوق كثيرًا كلَّ إدراكٍ بشريٍّ، فإننا نؤمن بها اليوم من خلال كلمة الله، منتظرين أن نعرف فيما بعد في السماء المعرفة الكاملة ونستمتع بها.

فضلًا عن ذلك، علينا أن نلاحظ الأعمال والوظائف الخاصة التي يؤدِّيها كلُّ أقنوم فيما يتعلق بنا؛ فالآب هو خالقنا بقدرته، والابن هو مخلِّصُنا وفادينا بدمه، والروح القدس هو مُقدِّسُنا بسُكناه في قلوبنا.

لقد دافعت الكنيسةُ الحقيقيَّةُ دائمًا عن عقيدة الثالوث القدُّوس وتمسَّكت بها منذ عصر الرسل وحتى يومنا هذا، ضد اليهود، والمسلمين، وبعض المسيحيين الكَذَبة والهراطقة مثل مارسيون، وماني، وبراكسياس، وسابليوس، وبولس الساموساطي، وأريوس، وما شابه، مِمَّن أدينوا بعدلٍ من الآباء أتباع الإيمان القويم.

من ثمَّ، نحن نقبل عن طيبِ خاطرٍ قوانينَ الإيمان الثلاثة، التي تشمل قانونَ إيمان الرسل، وقانونَ الإيمان النيقاوي، وقانون الإيمان الأثناسي؛ وكذلك كل ما يتفق معها ويحظى بموافقة الآباء القدامى.

متى 3: 17[1]

متى 28: 19[2]

لوقا 1: 35 [3]

2كورنثوس 13: 14 [4]

[5]1يوحنا 5: 7

البند (10) لاهوت المسيح

نؤمن أن يسوع المسيح، بحسب طبيعته الإلهيَّة، هو ابن الله الوحيد، المولود منذ الأزل، غير مصنوع ولا مخلوق (وإلا سيكون بهذا أحد المخلوقات)، لكنه واحدٌ مع الآب في الجوهر وسرمديٌّ معه، وهو رسم جوهره، "وبَهاءُ مَجدِهِ"[1]، ومساوٍ له في كل شيء. لذا يسوع المسيح هو ابن الله ليس فقط منذ أن أخذ طبيعتنا، بل منذ الأزل، كما تعلِّمنا الشهاداتُ التاليةُ حين تجتمع معًا. يقول موسى إن الله خَلَقَ العالم،[2] ويقول يوحنا إن الكلمة به كان كُلّ شَيءٍ،[3] كما يدعوه الله. ويقول الرسولُ بولس إن الله قد عَمِلَ العالَمينَ بابنه،[4] وكذلك أيضًا إن الله قد خلقَ الكُلَّ في يسوع المسيح.[5] لذلك، لا بدَّ أن يترتَّب على هذا أن ذاك الذي يُدعَى الله، والكلمة، والابن، ويسوع المسيح كان موجودًا قبل خَلقِ كلِّ شيءٍ به. ولهذا يقول ميخا النبي: "مَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الْأَزَلِ."[6] ويقول الرسول بولس: "لَا بَدَاءَةَ أَيَّامٍ لَهُ وَلَا نِهَايَةَ حَيَاةٍ."[7] ومن ثَمَّ، يسوع المسيح هو ذلك الإله الحقيقي، والسرمدي، والقدير، الذي نلجأ إليه، ونعبده، ونخدمه.

[1] كولوسي 1: 15؛ عبرانيين 1: 3

[2] تكوين 1: 1

[3] يوحنا 1: 3

[4] عبرانيين 1: 2

[5] كولوسي 1: 16

[6] ميخا 5: 2

[7] عبرانيين 7: 3

البند (11) لاهوت الروح القدس

نؤمن ونعترف أيضًا أن الروح القدس منبثقٌ منذ الأزل من الآب والابن، ومن ثَمَّ فهو غير مصنوع، وغير مخلوق، وغير مولود، بل ينبثق من كليهما، وبحسب الترتيب هو الأقنوم الثالث في الثالوث القدوس، وواحد مع الآب والابن ومساوٍ لهما في الجوهر، والعظمة، والمجد؛ ومن ثَمَّ فهو الله الحقيقي والسرمدي، كما تعلِّمنا الأسفار المقدسة.

البند (12) الخَلق

نؤمن أن الآب بحسب مسرته خلق السماء والأرض وجميع المخلوقات من العدم من خلال الكلمة، أي الابن. وأعطى اللهُ كلَّ المخلوقات كينونتها، وشكلها، وصورتها، ووظائفها المتعددة لعبادة خالقها؛ ولا يزال الآب أيضًا يحفظ هذه المخلوقات ويضبطها بعنايته السرمديَّة، وقدرته غير المحدودة لخدمة الجنس البشري، حتى يعبد الإنسان الله.

خلق الله أيضًا الملائكة صالحين، كي يكونوا رُسله ويخدموا مختاريه؛ ثم سقط بعضهم من تلك المكانة السامية التي خلقهم الله عليها إلى هلاكٍ أبديٍّ، بينما ظل الآخرون، بنعمة الله، ثابتين، في حالتهم الأولى. لكن الشياطين والأرواح الشريرة فاسدون لدرجة أنهم أعداء لله ولكل خير وصلاح. كما أنهم مثل اللصوص يراقبون الكنيسة وكل عضو بها، منتظرين أن يخربوهم بكل ما لديهم من قوةٍ ويقضون على كل شيء عن طريق حيلهم الشريرة. ومن ثمَّ، وبسبب شرهم، هم مدانون ومحكوم عليهم بالهلاك الأبدي، متوقعون كل يوم مجيء عذابهم المروِّع. لذلك، نحن نرفض ضلال الصدوقيين الذين ينكرون وجود الأرواح والملائكة، وكذلك ضلال المانويين الذين يؤكِّدون على أن الشياطين قد جاؤوا من أنفسهم، وأنهم أشرار بطبيعتهم، ولم يفسدوا.

[13] تكوين 1: 1

[14] يوحنا 1: 3

[15] عبرانيين 1: 2

[16] كولوسي 1: 16

[17] ميخا 5: 2

[18] عبرانيين 7: 3

البند (13) العناية الإلهيَّة

ن أن الله الصالح، بعد أن خلق كلَّ الأشياء، لم يتخلَّ عنها أو يتركها للحظ أو الصُّدفة، بل لا يزال يقودها ويديرها بحسب مشيئته المقدسة، حتى أنه لا شيء يحدث في هذا العالم دون ترتيبه وتعيينه؛ ومع ذلك، الله ليس هو مصدر الخطايا التي تُرتَكَب، ولا يُمكن إلقاء مسؤوليتها عليه لأن سلطانه وصلاحه عظيمان ويفوقان الإدراك، حتى أنه يدير أعماله وينفذها بأفضل الطرق وأكثرها عدلًا، حتى حين يرتكب الشياطينُ والأشرارُ الظلمَ والشرَّ. ومن جهةِ ما يفعله الله، لن نحاول أن نتقصَّى هذا الأمر في فضول لأنه يفوق الإدراك البشري ويتجاوز قدرتنا على الاستيعاب؛ لكننا بكل اتضاع وإجلال نعتز بأحكام الله العادلة التي يخفيها عنا، لأننا على قناعة بأننا تلاميذ المسيح الذين لا ينبغي أن يعرفوا سوى تلك الأمور التي أعلنها لهم الله في كلمته، دون تجاوُز هذه الحدود.

تمدُّنا هذه العقيدةُ بتعزيةٍ لا يُنطَق بها، لأنها تعلِّمنا أن لا شيء يمكن أن يحدث لنا بمحض الصدفة، بل الكل يحدث بتدبير من أبينا السماوي كلي الرحمة، الذي يحرسنا بعناية أبوية، ويحفظ جميع المخلوقات تحت سيادته حتى أن شعرةً واحدةً من رؤوسنا لا تسقط (لأن جميعها مُحصاة)، ولا عصفور صغير يمكن أن يسقط على الأرض إلا بمشيئة أبينا،[1] لذلك نشعر بالراحة والثقة عالمين أن الله يكبح جماح الشيطان وجميع أعدائنا حتى أنهم لا يستطيعون أن يصيبونا بأي ضرر دون مشيئته وإذنه. ومن ثَمَّ نحن نرفض هذا الضلال البغيض للأبيقوريين، الذين يقولون إن الله لا يتدخل في شيء، بل يترك كلَّ شيءٍ للصدفة.

[1] متى 10: 29- 30

البند (14) خلق الإنسان وسقوطه

نؤمن أن الله قد خلق الإنسان من تراب الأرض، وصنَعَه وجبله على صورته وشبهه، صالحًا، وبارًّا، ومقدَّسًا، وقادرًا بإرادته على فعل كلِّ ما يتفق مع مشيئة الله. لكنه لم يستوعب الكرامة التي كان فيها،[1] ولم يدرك مقدارَ تميُّزه، بل أخضع نفسه طوعًا للخطية، ومن ثَمَّ للموت واللعنة، حين أصغى إلى كلمات الشيطان. وتعدى على وصية الحياة التي أعطيت له؛ وبالخطية فصل نفسه عن الله الذي كان حياته الحقيقية، وأفسد بذلك طبيعته بأكملها، وجعل نفسه مذنبًا وعرضةً للموت الجسدي والروحي. وإذ صار شريرًا، ومنحرفًا، وفاسدًا في كل طرقه، خسر جميع مواهبه الفائقة التي كان قد أخذها من الله، ولم يحتفظ سوى بقدرٍ قليلٍ منها كافٍ بأن يجعله بلا عذر؛ فقد صار كلُّ النور الذي فينا ظُلمةً، كما يعلِّمنا الكتاب المقدس بقوله: "وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ"[2] حيث يسمي القديس يوحنا البشرَ ظُلمةً.

لذلك نرفض كلَّ تعليمٍ يتعارضُ مع هذا فيما يتعلَّق بحرية إرادة الإنسان؛ لأن الإنسان ليس سوى عبدًا للخطية، وليس لديه شيءٌ في ذاته ما لم يُعطَ من السماء.[3] فمَن يستطيعُ أن يفتخرَ بأنه قادرٌ من ذاته على أن يفعل صلاحًا بينما يقول المسيح: "لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الْآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي"[4]؟ ومَن يستطيع أن يفتخر بإرادته، بينما يدرك أن "اهتِمامَ الجَسَدِ هو عَداوَةٌ للهِ"[5]؟ ومَن يستطيع التحدُّث عن معرفته بينما "الْإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لَا يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ"[6]؟ باختصارٍ، من يجرؤ على اقتراح أيَّة فكرة، بينما يعلم أننا لسنا "كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ"[7]؟ ومن ثَمَّ، ينبغي أن نتمسك في ثباتٍ ويقين بما يقوله الرسول بولس "اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ"[8]. فإنه لا يمكن لأي فهم أو إرادة أن تتفق مع الفهم الإلهي والمشيئة الإلهيَّة بعيدًا عن تدخل المسيح كما علَّمنا ذلك عندما قال: "لِأَنَّكُمْ بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا"[9].

مزمور 49: 20[1]

يوحنا 1: 5[2]

يوحنا 3: 27[3]

يوحنا 6: 44[4]

رومية 8: 7[5]

كورنثوس 2: 14[6]

كورنثوس 3: 5 [7]

فيلبي 2: 13[8]

يوحنا 15: 5[9]

البند (15) الخطية الأصليَّة

نؤمن أنه بعصيان آدم امتدت الخطيَّةُ الأصليَّةُ إلى كلِّ الجنس البشريّ،[1] وأدَّت إلى فساد طبيعة الجنس البشريّ بالكامل، وصار هذا الفسادُ وراثيًّا، يُصابُ به الأطفالُ حتى وهم داخل أرحام أمهاتهم، والأصل الذي يُنتِج من داخل الإنسان جميع أنواع الخطايا؛ ومن ثمَّ فالخطية نجسةٌ وكريهةٌ في عيني الله وكافية لإدانة كل الجنس البشري. كما أنها لا تُبطَل أو تُمحَى بالمعموديَّة بأي حالٍ من الأحوال؛ لأن الخطية تخرج دائمًا من هذا المصدر الملوث. ومع ذلك، لا تُحسَب الخطية على أبناء الله ولا تجعلهم تحت الدينونة؛ لأنها تُغفر لهم بنعمة الله ورحمته. ولا يعني هذا أنهم يستطيعون البقاء في الخطية دون خوف، بل إن الوعي بهذا الفساد ينبغي أن يجعل المؤمنين يئنِّون كثيرًا، ويشتاقون أن يُنقَذوا من جسد هذا الموت.[2] لذا، نرفض ضلال البيلاجيين الذين يرددون أن الخطية ليست سوى مسألة محاكاة للآخرين وتشبُّه بهم.

[1] رومية 5: 12- 13

رومية 7: 24[2]

البند (16) عقيدة الاختيار

نؤمن أن كلَّ نسل آدم قد سقط في الهلاك والخراب بسبب خطية الإنسان الأول، لكنَّ الله أعلن بعد ذلك عن ذاته وكينونته الحقيقية بأنه رحيمٌ وعادلٌ. فالله رحيمٌ لأنه يسترد ويخلِّصُ من هذا الهلاك جميع أولئك الذين قد اختارهم في المسيح يسوع ربنا، بحسب مشورته الأزليَّة وغير المتغيِّرة، وصلاحه التَّام، دون أدنى اعتبارٍ لأعمالهم؛ كما أن الله عادلٌ لأنه ترك آخرين في حالة السقوط والهلاك التي قد انغمسوا فيها.

البند (17) استرداد الإنسان الساقط

نؤمن أن إلهنا الصالح في حكمته وصلاحه المذهلين، عندما رأى أن الإنسان قد انغمس بهذا السلوك في الموت الجسديّ والروحيّ، وتسبَّب في الشقاء التَّام لنفسه، بدأ يبحث عنه ويطلبه رغم أن الإنسان كان يهرب في رعدةٍ من محضر الله. لكن الله عزَّاه ووعده أنه سيبذل ابنه، المولود من المرأة،[1] كي يسحق رأس الحية،[2] ويباركه. 

غلاطية 4: 4[1]

تكوين 3: 15[2]

البند (18) التجسُّد

نعترف، إذًا، أن الله قد حقَّق هذا الوعدَ الذي قطعه للآباء الأولين بفم أنبيائه القديسين حين أرسل إلى العالم—في الوقت الذي عيَّنه—ابنَه الأزليَّ والوحيد، الذي أخذ صورَةَ عَبدٍ، صائرًا في شِبهِ النّاسِ،[1] متخذًا بالفعل طبيعةً بشريَّةً حقيقيَّةً، بكلِّ ضعفاتها، ما عدا الخطية؛ إذ حُبل به في رحم العذراء المُطوَّبة مريم، بقوة الروح القدس، دون تدخُّل من رجل. ولم يتَّخذ المسيح طبيعة بشريَّة من جهة الجسد فحسب، بل اتخذ أيضًا نَفْسًا بشريَّةً حقيقيَّةً، حتى يكون إنسانًا حقيقيًّا. وبما أن النفس قد هلكت وكذلك الجسد، كان يلزم المسيح أن يتَّخذ كليهما، حتى يخلِّصهما معًا. لذلك نعترف (على خلاف هرطقة الأنابابتست الذين ينكرون اتخاذ المسيح جسدًا بشريًّا من والدته) أن المسيح قد اشتَرَكَ في اللحم والدم؛[2] وأنه "مِنْ ثَمَرَةِ صُلب داود حَسَبَ الْجَسَدِ"،[3] وأنه "صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ"؛[4] وأنه ثمرة بطن العذراء مريم؛[5] مَوْلودًا مِنِ امرأةٍ؛[6] وأنه غصنٌ من داوُدَ،[7] وقَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى؛[8] وأنه قد خرج مِنْ سِبطِ يَهوذا؛[9] وانحدر من اليهود من جهة الجسد من نسل إبراهيم؛ لأنه اتخذ نسل إبراهيم، وشابه إخوَتَهُ في كُلِّ شَيءٍ ما خلا الخطية؛[10] وبهذه الحقيقة هو عمانوئيل، الّذي تفسيرُهُ: "اللهُ معنا.[11]"

فيلبي 2: 7 [1]

عبرانيين 2: 14[2]

أعمال 2: 30[3]

رومية 1: 3 [4]

لوقا 1: 42 [5]

غلاطية 4: 4 [6]

2تيموثاوس 2: 8[7]

رومية 15: 12 [8]

عبرانيين 7: 14[9]

عبرانيين 2: 17؛ 4: 15[10]

متى 1: 23[11]

البند (19) اتحاد الطبيعتين في شخص المسيح

نؤمن أنه وفقًا للتجسُّد، اتَّحد أقنومُ الابن بالطبيعة البشريَّة وارتبطا معًا دونَ انفصالٍ بطريقةٍ تؤكد أنه لا يوجد ابنان لله ولا شخصان، بل طبيعتان متَّحدتان في شخصٍ واحدٍ؛ ومع ذلك تظل كل طبيعة محتفظة بسماتها المميزة. وبذلك، ظلَّت الطبيعةُ الإلهيَّةُ دائمًا غيرَ مخلوقةٍ، لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة،[1] تملأ السماوات والأرض، كما أن الطبيعة البشريَّة للمسيح لم تفقد سماتها، بل ظلت لها سمات الكائن المخلوق، لها بداءة أيام، وطبيعة محدودة، وتحتفظ بجميع سمات الجسد الحقيقي. ومع أنه بقيامة المسيح قد مُنِح الخلودُ لهذه الطبيعة نفسها، فإنه لم يغير من حقيقة طبيعته البشريَّة؛ لأن خلاصنا وقيامتنا يعتمدان أيضًا على حقيقة جسدِه.

لكنَّ هاتين الطبيعتَيْن متَّحدتَان بشدةٍ في شخصٍ واحدٍ لدرجة أنهما لم تنفصلا حتى عند موته. ومن ثمَّ، استودع الابنُ، عند موته، في يدي أبيه روحًا بشريَّةً حقيقيَّةً، غادرت جسده. لكن في الوقت ذاته، ظلَّت طبيعته الإلهيَّة في اتحادٍ دائمٍ بالطبيعة البشريَّة، حتى حين وُضِع في القبر، لم يتوقَّف لاهوتُه عن أن يكون فيه، كما كان الحال تمامًا حين كان طفلًا صغيرًا، مع أنه لم يُظهِر نفسَه بوضوح لبعضِ الوقت. لذا، نعترف أنه إلهٌ كاملٌ وإنسانٌ كاملٌ: إلهٌ كاملٌ بقدرتِه على هزيمة الموت، وإنسانٌ كاملٌ بموته من أجلنا بحسب ضعف جسده.

عبرانيين 7: 3[1]

البند (20) عدل الله ورحمته في المسيح

نؤمن أن الله، كليَّ الرحمة والعدل، قد أرسل ابنه ليتَّخذ تلك الطبيعة التي ارتُكِبَ فيها العصيان، حتى يحمل عقوبة الخطية من خلال آلامه المريرة وموته. ومن ثَمَّ أظهر اللهُ عدلَه في ابنه حين وضعَ آثامَنا عليه وسكب رحمتَه وصلاحَه علينا، نحن الذين كنَّا مذنبين ومستحقين الدينونة والهلاك، باذلًا ابنه للموت من أجلنا بدافع محبةٍ خالصةٍ ومقيمًا إيَّاه من بين الأموات لأجل تبريرِنا، حتى ننال من خلاله الخلود والحياة الأبدية.

البند (21) الكَفَّارة

نؤمن أن يسوع المسيح صار رئيسَ كهنة إلى الأبد على رتبةِ ملكي صادق وتوسط بقسم وقدَّم نفسَه نيابةً عنَّا أمام الآب ليرضي غضبه بالكامل عن طريق كفارتِه، بتقديم نفسه على خشبة الصليب، وسفك دمه الثمين حتى يطهِّر خطايانا، كما قد تنبأ الأنبياء. لأنه مكتوبٌ: "تَأْدِيبُ سَلَامِنَا" على ابن الله الذي "بِحُبُرِهِ شُفِينَا". فقد كان "كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ"، كما أنه "أُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ"[1] وقد أُدين كمذنبٍ من قِبَل بيلاطُس البُنطي الذي أعلن براءة يسوع في البداية. ومن ثمَّ، ردَّ يسوعُ ما لم يخطفه،[2] وهكذا "تَأَلَّمَ الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الْأَثَمَةِ"[3] في جسده ونفسه أيضًا، وبهذه الطريقة تحمَّل العقابَ الرهيب الذي استحقَّتْه خطايانا؛ حتى "صَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الْأَرْضِ".[4] وهكذا "صَرَخَ: إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟"[5] فقد قاسى كلَّ هذا لأجل غفران خطايانا.

لذا نقول بحق مع الرسول بولس، إننا لا نعزم أن نعرف شيئًا "إلَّا يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا"[6] وإننا نحسب "كُلَّ شَيءٍ أيضًا خَسارَةً مِنْ أجلِ فضلِ مَعرِفَةِ المَسيحِ يَسوعَ ربِّنا"،[7] الذي في جراحاته نجد كلَّ العزاء. كما أننا لا نحتاج أن نسعى وراء أيّة وسيلةٍ أخرى أو أن نخترع أيّةَ وسيلةٍ أخرى للتصالح مع الله، غير هذا القربان الوحيد، الذي قُدِّم مرةً واحدةً، فأَكمَل المؤمنين إلى الأبد. ولهذا السبب أيضًا دعاه ملاكُ الله يسوعَ، أي المخلِّص، "لأنَّهُ يُخَلِّصُ شَعبَهُ مِنْ خطاياهُمْ".[8]

إشعياء 53: 4- 12[1]

مزمور 69: 4[2]

1بطرس 3: 18 [3]

لوقا 22: 44 [4]

متى 27: 46[5]

1كورنثوس 2: 2 [6]

فيلبي 3: 8 [7]

متى 1: 21[8]

البند (22) بِرُّ الإيمان

نؤمن أن الوصول إلى المعرفة الحقيقيَّة بهذا السر العظيم يحدث من خلال الروح القدس الذي يضرم في قلوبنا إيمانًا حقًّا يقبل يسوع المسيح وأعمال بره، ويقتنيه لنفسه، ولا يطلب شيئًا آخر معه. ويجب أن يتبع ذلك بالضرورة، فإما أن كلَّ ما يلزم لخلاصنا ليس في يسوع المسيح أو أن فيه كلَّ الأشياء؛ وبالتالي فإنَّ من يقبلون يسوع المسيح بالإيمان ينالون خلاصه كاملًا. لذلك، قول إن المسيح غير كافٍ ويلزم شيء إضافي معه هو تجديفٌ شديدٌ على الله؛ إذ يترتب على ذلك أن يسوع المسيح لم يكن مخلِّصًا كاملًا.

لذلك نقول بحقٍّ مع بولس إننا نتبرَّر بالإيمانِ وحده، أو "بِالْإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ".[1] مع ذلك، نحن لا نقصد بصحيح العبارة أن هذا الإيمان نفسه هو الذي يُبرِّرنا، بل الإيمان هو مجرد أداة بها نقبل المسيح برَّنا. لكن يسوع المسيح هو برُّنا، ويتيح لنا جميعَ استحقاقاته وكل الأعمال المقدسة التي عملها لأجلنا وبدلًا منَّا؛ فالإيمان هو الأداة التي تحافظ على شركتنا معه وتمنحنا بركاته، التي حين تصير لنا، تكون أكثر من كافية لتبرئتنا من خطايانا.

رومية 3: 28[1]

البند (23) تبريرُ الخطاة

نؤمن أن خلاصنا يكمن في غفران خطايانا بفضل عمل يسوع المسيح، وأن هذا يحوي ضمنًا تبريرَنا أمام الله مثلما يعلِّمنا داود وبولس اللذان أعلنا تطويب الإنسان الذي "يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَالٍ".[1] ويقول الرسول بولس نفسه: "مُتَبَرِّرينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الّذي بيَسوعَ المَسيحِ".[2]

لذلك، نحن نتمسَّك بهذا الأساس الراسخ إلى الأبد، مقدِّمين كلَّ المجد لله، ومتَّضعين أمامه، ومعترفين بحقيقتنا كما هي، دون أن نتجرَّأ على الاتكال على أي شيء فينا أو أي استحقاقٍ لنا، بل متَّكلين ومستندين على الطاعة وحدها للمسيح المصلوب، التي نتمتَّع بها حين نؤمن به. وهذا يكفي أن يستر جميع خطايانا ويعطينا الثقة ويحرر الضمير من الخوف والرعب والفزع من الاقتراب من الله، دون الاقتداء بآدم وحواء آبائنا الأولين، اللذين حاولا في رعدةٍ ستر أنفسهما بأوراق التين. في الواقع، إن كان علينا أن نقف أمام الله متكلين على أنفسنا أو على أي مخلوق آخر، حتى لو كان هذا الاتكال قليلًا جدًّا، فإننا حتمًا، وبكل أسف، سنهلك. لذلك على كل إنسان أن يصلي مع داود قائلًا: "وَلَا تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ".[3]

[1] مزامير 32: 1؛ رومية 4: 6

[2] رومية 3: 24

[3] مزامير 143: 2

البند (24) تقديس الخطاة

نؤمن أن هذا الإيمان الحق، الذي يثمر فينا بعمل الروح القدس عن طريق الاستماع إلى كلمة الله، يجدِّدُنا ثانيةً ويجعلنا خليقةً جديدةً،[1] ويدفعنا أن نحيا حياةً جديدةً،[2] ويحررنا من عبودية الخطية. لذلك، بعيدًا عن أنه يجعل الناس يتعاملون بفتورٍ مع السلوك بالتقوى والقداسة، فإن هذا الإيمان، على النقيض، يعمل فيهم حتى إنهم بعيدًا عن هذا الإيمان لن يتمكنوا من فعل أي شيء بدافع المحبة لله، بل بدافعِ المحبة للذات أو الخوف من الدينونة. لذا من المستحيل ألا يثمرَ هذا الإيمان المقدَّس داخل الإنسان؛ لأننا لا نتحدث عن إيمانٍ باطل، بل عن ما يسمّيه الكتاب المقدس "الإيمان العامل بالمحبَّة"[3]، الذي يحفز الإنسان على ممارسة تلك الأعمال التي أوصى بها الله في كلمته. وهذه الأعمال التي تنبع من الأصل الصالح للإيمان، حسنةٌ ومقبولةٌ في نظر الله، لأنها تتقدَّس جميعها بنعمته، لكنها لا تضيف إلى تبريرنا. لأننا قد تبرر بالإيمان بالمسيح، حتى قبل أن نصنع أعمالًا صالحة. دون ذلك، لن تكون هذه الأعمال صالحة، كما أن ثمار الشجرة لا يمكن أن تكون صالحة إلا حين تكون الشجرة نفسها صالحة.

لذلك نحن نعمل أعمالًا صالحة، ليس عن استحقاق- ماذا يمكن أن نستحق؟- بل بالأحرى نحن ممتنون لله على الأعمال الصالحة التي نعملها، وليس الله هو الممتن لنا، بما أنه "هُوَ الْعَامِلُ فينا أَنْ نريد وَأَنْ

2 كورنثوس 5: 17 [1]

[2] رومية 6: 4

[3] غلاطية 5: 6

البند (25) تكميل الناموس

نؤمن أن طقوس الناموس ورموزه قد انتهت بمجيء المسيح وأن جميع الظلال قد تحققت؛ وبالتالي من المفروض إبطال ممارستها بين المسيحيين؛ إلا أن الحق الكامن في هذه الطقوس والرموز وجوهرها يظل باقيًا في يسوع المسيح الذي تمَّمهم. مع ذلك، ما زلنا نستعين بالشهادات المأخوذة من الناموس والأنبياء لتثبيتنا في تعليم الإنجيل وتنظيم حياتنا بكل نزاهة لمجد الله وبحسب مشيئته.

البند (26) شفاعة المسيح

نؤمن أننا لا نستطيع دخول محضر الله إلا من خلال الوسيط والشفيع الواحد والوحيد، يسوع المسيح البار،[1] الذي لهذا صار إنسانًا، إذ وحَّد الطبيعتين الإلهيَّة والبشريَّة في شخصٍ واحدٍ، حتى يتسنَّى لنا نحن البشر الدخول إلى محضر الله صاحب الجلال، خلاف ذلك لن نستطيعَ الدخول إلى محضره. لكن هذا الوسيط، الذي عيَّنه الآب بينه وبيننا، لا ينبغي أن يخيفنا بعظمته، أو يدفعنا إلى البحث عن شخصٍ آخر على هوانا؛ لأنه ما من مخلوق، في السماء أو على الأرض، يحبنا أكثر من يسوع المسيح؛ الذي مع أنه "كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ"،[2] وقد شابه "إخوَتَهُ في كُلِّ شَيءٍ".[3] فإن أردنا أن نجد شفيعًا آخر، مَنْ سيحبنا أكثر من ذاك الذي وضع حياته لأجلنا، حتى ونحن أعداء معه؟[4] وإن أردنا أن نجد شخصًا يمتلك النفوذ والسلطة، فمَنْ يمكن أن يكون لديه قدرٌ كبيرٌ من كليهما أكثر من ذاك الجالس عن يمين الآب،[5] الذي "دُفِعَ إلَيَّه كُلُّ سُلطانٍ في السماءِ وعلَى الأرضِ؟"[6] ومَنْ يمكن أن يُستجاب له عن طيب خاطر أكثر من الابن المحبوب لله؟

لذلك، أدى إكرام القديسين بصفتهم متشفعين في الواقع إلى إهانتهم بسبب ذلك الإيمان المغلوط؛ لأن القديسين أنفسهم لم يفعلوا ذلك قط ولم يطلبوه، بل على النقيض، رفضوه بإصرار، بما يتماشى مع واجبهم، كما يظهر من كتاباتهم. كما لا ينبغي أن ندافع هنا بأننا غير مستحقين؛ لأنه ليس الغرض أن نقدم لله صلواتنا بناء على استحقاقنا، بل بناء على تميز الرب يسوع المسيح واستحقاقه، الذي يصير بره لنا بالإيمان.

لذلك يحثُّنا الرسول بولس لسببٍ وجيهٍ على التخلُّص من هذا الخوف الأحمق أو بالأحرى هذا الاتكال الذي ليس في محله عندما يقول لنا إن يسوع المسيح "كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا لِلهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ".[7] "لِأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ".[8] كما يقدم الرسولُ بولس المزيد من التشجيع لنا حتى نقترب من الله قائلًا: "فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالْإِقْرَارِ. لِأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلَا خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ".[9] ويقول الرسول نفسه أيضًا: "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى الْأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الْإِيمَانِ".[10] كذلك أيضًا إن المسيح "لَهُ كَهَنُوتٌ لَا يَزُولُ. فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ".[11]

ما الذي يمكن أن نطلبه أكثر من ذلك؟ فقد قال المسيح نفسه: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي".[12] لماذا إذًا نطلب شفيعًا آخر بينما قد سُرَّ الله بأن يعطينا ابنه شفيعًا لنا؟ دعونا لا نتركه كي نبحث عن آخر، أو بالأحرى كي نسعى وراء آخر لن نتمكن البتة من أن نجده؛ لأن الله كان يعلم جيدًا حين أعطانا المسيح أننا خطاة.

لذلك، بحسب وصية المسيح، نحن ندعو الآب السماوي من خلال يسوع المسيح وسيطنا الوحيد، كما تعلِّمنا الصلاة الربانيَّة؛ متيقِّنين من أن كل ما نطلبه من الآب باسمه سيعطيه لنا.

1 يوحنا 2: 1[1]

فيلبي 2: 6- 8[2]

عبرانيين 2: 17[3]

رومية 5: 10[4]

[5] رومية 8: 34؛ عبرانيين 1: 3

[6] متى 28: 18

[7] عبرانيين 2: 17

عبرانيين 2: 18[8]

[9] عبرانيين 4: 14- 16

[10] عبرانيين 10: 19، 22

[11] عبرانيين 7: 24- 25

يوحنا 14: 6[12]

البند (27) الكنيسة الجامعة المقدسة

ؤمن ونعترف بكنيسة واحدة جامعة أو مسكونيَّة—جماعة مقدَّسة من مؤمنين مسيحيِّين حقيقيِّين—ينتظرون جميعًا خلاصهم في يسوع المسيح، إذ قد اغتسلوا بدمه وتقدسوا وخُتموا بالروح القدس.

هذه الكنيسة موجودة منذ بدء العالم وباقية حتى نهايته، ويتَّضح ذلك من حقيقة أن المسيح ملكٌ سرمديٌّ، ولا يمكن أن يكون بلا رعية. وهذه الكنيسة المقدسة محفوظة من الله ضد سخط العالم أجمع؛ مع أنها قد تبدو أحيانًا في شدة الضعف في نظر البشر كما لو أنها أُطفِئَت وانتهت. على سبيل المثال، في فترة حُكم أخآب المحفوفة بالمخاطر أبقى الرب في إسرائيل "سبعَةَ آلافٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الّتي لَمْ تجثُ للبَعلِ".[1]

لذا، هذه الكنيسة المقدسة ليست محصورةً، أو مقيَّدة، أو محدودة بمكانٍ مُعيَّن أو بأشخاص معينين، بل أنها منتشرة ومشتتة في العالم أجمع وفي الوقت ذاته مرتبطة ومتحدة بالقلب والإرادة، عن طريق قوة الإيمان، في نفس الروح الواحد.

1 ملوك 19: 18[1]

البند (28) التزامات أعضاء الكنيسة

بما أن هذه الجماعة المقدَّسة هي اجتماع الذين نالوا الخلاص ولا خلاص بعيدًا عنها؛ فنحن نؤمن أنه لا ينبغي على أي إنسان مهما كانت مكانته أو حالته أن ينسحب ويحيا منفصلًا عنها؛ بل إن الجميع ملزَمون بالانضمام إليها والاتحاد بها، محافظين على وحدة الكنيسة بالخضوع لتعليمها وتأديبها، والعمل على حمل نير يسوع المسيح، والخدمة لأجل بنيان الإخوة في الجسد الواحد حسب المواهب الممنوحة لهم من الله.

لحفظ هذه الوحدة بمزيدٍ من الفاعليَّة، على جميع المؤمنين، بحسب كلمة الله، أن يعزلوا أنفسهم عن أولئك غير المنتمين للكنيسة، وأن ينضموا إلى هذه الجماعة، أينما أسَّسها الله، حتى إن قاومها الحكام والمراسيم الملكية ونتج عن ذلك الموت أو العقاب الجسدي. لذلك، جميع مَن ينسحبون من الكنيسة أو لا ينضمون إليها يخالفون وصية الله.

البند (29) علامات الكنيسة الحقيقيَّة

نؤمن أننا يجب أن نميِّز من كلمة الله باجتهاد وبحرص ما هي الكنيسة الحقيقيَّة لأن كل الطوائف الموجودة في العالم اليوم تزعم عن نفسها أنها "الكنيسة". ونحن لا نتحدث هنا عن المرائين المختلطين مع الصالحين في الكنيسة الذين ليسوا جزءًا منها بأي حال من الأحوال حتى إن كانوا ظاهريًّا وبحسب الجسد هم كذلك، بل نتحدث عن تمييز جسد الكنيسة الحقيقيَّة وشركتها من بين جميع الطوائف التي تدعو نفسها "الكنيسة".

يمكن معرفة الكنيسة الحقيقيَّة عن طريق العلامات الآتية: إذا كانت الكنيسة مشغولةً بالوعظ والكرازة وتقديم التعليم الخالص للإنجيل، وإذا كانت تقوم بالممارسة النقيَّة للأسرار المقدسة كما أسسها المسيح، وإذا كانت تمارس التأديب الكنسي لتصحيح الأخطاء. باختصار، تكون الكنيسة حقيقيةً إذا كانت تُدار وفقًا لكلمة الله الخالصة، وترفض كل شيء يخالف كلمة الله، وتتمسك بالرب يسوع المسيح بصفته الرأس الوحيد لها. بهذا تُعرَف عن يقينٍ الكنيسة الحقيقيَّة التي يجب على أي إنسان أن لا ينفصل عنها.

من جهة أعضاء الكنيسة، يمكن أن نعرفهم عن طريق تمييز العلامات التي يتسم بها المؤمنون، وتحديدًا عن طريق الإيمان؛ فإنهم بعد قبولهم يسوع المسيح بصفته المخلص الواحد والوحيد، يهربون من الخطية، ويتبعون البر، ويحبون الإله الحقيقي وأقرباءهم، ولا يحيدون يمينًا أو يسارًا، ويصلبون الجسد مع أعماله. ورغم أنهم سيظلون يعانون من الضعف الشديد، فإنهم يحاربون هذا الضعف بالروح كل أيام حياتهم، ويحتمون باستمرار في دم ربنا يسوع المسيح، وموته، وآلامه، وطاعته، الذي فيه ينالون غفران الخطايا بالإيمان به.

أما من جهة الكنيسة الزائفة، فإنها تنسب لنفسها ولفرائضها المزيد من النفوذ والسلطة أكثر مما لكلمة الله، ولا تُخضِع نفسَها تحت نير المسيح، ولا تمارس الأسرار المقدسة كما أوصى بها المسيح في كلمته، بل تضيف إليها وتحذف منها كما يحسن في عينيها، وتتكل على البشر أكثر من اتكالها على المسيح، وتضطهد من يسلكون بالقداسة بحسب كلمة الله، ويوبخونها على ضلالاتها، وأطماعها، وعبادتها للأوثان. من السهل التعرُّف على هاتين الكنيستين وتمييزهما عن بعضهما البعض.

البند (30) إدارة الكنيسة

نؤمن بأنه لا بد من إدارة هذه الكنيسة الحقيقيَّة وفقًا للترتيب الروحي الذي علَّمه لنا الرب يسوع في كلمته، وأنه لا بد من وجود قسوس أو رعاة يعظون بكلمة الله، ويقيموا الأسرار المقدسة، ولا بد أيضًا من وجود شيوخ وشمامسة، يشكِّلون مع الرعاة مجلس الكنيسة. وبهذه الوسيلة تُحفظ الديانة الحقيقيَّة، وتأخذ العقيدة الصحيحة مجراها الطبيعي، وكذلك يمكن تصحيح الأشرار روحيًّا وكبح جماحهم، وبذلك يمكن مساعدة المساكين والمتضايقين وتعزيتهم حسب احتياجاتهم. وبهذه الوسيلة، يُدار كل شيء في الكنيسة بلياقةٍ وترتيبٍ، حين يقع الاختيار على رجال أمناء حسب القواعد التي أعطاها بولس إلى تيموثاوس.[1]

1 تيموثاوس 3[1]

البند (31) القسوس والشيوخ والشمامسة

نؤمن أنه ينبغي اختيار القسوس خدام كلمة الله والشيوخ والشمامسة لمناصبهم عن طريق انتخابات شرعيَّة تجريها الكنيسة، مع الصلاة باسم الرب واتباع الترتيب الجيد الذي تعلمه كلمة الله. لذلك، على الجميع أن يحرصوا على عدم التقدم لهذه المناصب بشكل غير لائق، بل يجب انتظار دعوة الله، حتى يتأكدوا من دعوتهم، ويتيقنوا من اختيار الرب لهم.

القسوس خدام كلمة الله لهم النفوذ والسلطان عينه أينما كانوا، لأنهم جميعًا خدام يسوع المسيح، رئيس الكهنة العظيم والوحيد، والرأس الوحيد للكنيسة. علاوةً على ذلك، حتى لا يُنتهَك هذا التعيين الإلهي المقدَّس أو يُستهان به، نقول إنه ينبغي أن يكرم الجميع بقدر الإمكان القسوس خدام كلمة الله وشيوخ الكنيسة بشدة من أجل عملهم، وأن يُسالموهم دون دمدمة، أو خصومات، أو نزاع.

البند (32) ترتيب الكنيسة وتأديبها

نؤمن أيضًا أنه من المفيد والجيد أن يضع مَنْ يديرون الكنيسة ترتيب محدد فيما بينهم من أجل الحفاظ على جسد الكنيسة، كما أن عليهم أيضًا أن يحترسوا دائمًا من الحياد عن تلك الأمور التي أسسها المسيح، سيدنا الوحيد. لذلك، نحن نرفض جميعَ الاختراعات البشريَّة والقوانين المفروضة علينا في عبادتنا لله، التي تلزم ضمائرنا وتقيِّدها بأيَّة وسيلة كانت.

لذا نحن لا نقبل سوى ما هو مناسب للتأكيد على الوئام والوحدة، وحفظ الجميع في طاعة الله. ولهذا الغرض، يُعد الحرمان الكنسي بكل ما يتضمنه حسب كلمة الله مطلبًا أساسيًّا.

البند (33) الأسرار المقدسة

نؤمن أنَّ إلهنا الصالح، الذي يعرفُ عدمَ نضجِنا وضعفَنا قد وضع الأسرارَ المقدسة حتى يختم وعودَه فينا، ويتعهَّد بالتعامل معنا بحُسْنِ النية وتقديم النعمة لنا، وينمِّي أيضًا إيمانَنَا ويعضدَه. وقد ضمَّ هذه الأسرار إلى كلمة الإنجيل كي يعرض أمام حواسنا على نحوٍ أفضل ما يمكِّننا اللهُ من فهمه في كلمته، وما يعمله داخل قلوبنا، حتى يؤكد فينا الخلاص الذي يعطيه لنا. وذلك لأنها رموزٌ وأختامٌ منظورة تعبِّر عن شيء داخلي وغير منظور، بواسطتها يعمل الله فينا بقوة الروح القدس. وهذه الرموز ليست خاويةً أو عديمةَ الجدوى كي تضلِّلَنا أو تخدَعَنا. لأن الحقَّ الموجود فيها هو يسوع المسيح الذي من دونه تصبح بلا قيمةٍ.

علاوةً على ذلك، عيَّن المسيح سيدنا اثنين من الأسرار المقدَّسة: سر المعموديَّة، وسر العشاء الرباني المقدَّس، وهما كافيان لنا.

البند (34) سر المعموديَّة المقدس

نؤمن ونعترف أن يسوع المسيح، الذي أكمل الناموس، قد وضع نهايةً، بسفك دمه، لسفك أيّ دمٍ آخر للتكفير عن الخطية؛ وبعد أن أبطل الختان، المصنوع بالدم، أسَّس بدلًا منه سرَّ المعموديَّة، الذي به نُقبَل داخل كنيسة الله، ونُفرز عن جميع البشر الآخرين وعن الديانات الغريبة، حتى ننتمي كليَّةً إلى ذاك الذي نحمل ختمه ورايته. وهذه المعمودية بمثابة شهادة لنا على أنه سيظل إلهنا وأبانا الرؤوف إلى الأبد.

لذلك، أوصى المسيحُ كلَّ مَنْ هم له أن يعتمدوا بماء طاهر، "باسمِ الآبِ والِابنِ والرّوحِ القُدُسِ".[1] بهذه الطريقة يوضح اللهُ لنا أنه كما يزيل الماءُ وسخَ الجسد حين يُسكَب علينا ويُرَى حين يُرَش على أجساد الذين يعتمدون، هكذا أيضًا دم المسيح يفعل الشيءَ نفسه، بقوة الروح القدس، في النفس من الداخل، مُطهرًا إيَّاها من خطاياها، فيجددنا مغيرًا إيَّانا من أبناء الغضب إلى أبناء الله. ولا يحدث هذا بالماء الخارجي، بل برش الدم الثمين المسفوك من ابن الله، وهذا الدم يذكِّرنا بالبحر الأحمر، الذي لا بد أن نعبُرَ من خلاله حتى نهرب من طغيان فرعون، أي إبليس، وندخل إلى أرض كنعان الروحيَّة.

لذلك يمارس القسوس من جانبهم السرَّ المقدس وما هو منظور، لكنَّ الربَّ إلهنا هو مَنْ يعطينا ما يرمز إليه السر، وتحديدًا المواهب والنعمة غير المنظورة؛ غاسلًا، ومنقيًّا، ومطهرًا نفوسنا من كل نجاسة وإثم؛ ومجددًا قلوبنا ومالئًا إيَّاها بكل تعزية؛ ومانحًا لنا يقينًا حقيقيًّا في صلاحه الأبوي؛ ومُلبسًا إيَّانا الإنسان الجديد، وخالعًا عنَّا "الإِنْسَانَ العَتِيقَ وأَعْمَالَهُ".[2]

لهذا السبب، نؤمن بأن كل من يرنو إلى نوال الحياة الأبديَّة يجب أن لا يعتمد سوى مرة واحدة فحسب بهذه المعموديَّة، دون أي تكرار لها، لأننا لا يمكن أن نُولَد مرتين. مع ذلك هذه المعمودية نافعة ومفيدة ليس فقط في لحظة سكب الماء علينا وقبولنا لها، بل طوال حياتنا أيضًا.

لذا نرفض خطأ الأنابابتست، الذين لا يكتفون بالمعموديَّة الواحدة الوحيدة التي نالوها من قبل، بل يدينون أيضًا معموديَّة أطفال المؤمنين. ونحن نؤمن بضرورة تعميد أطفالنا وختمهم بعلامة العهد، كما كان الأطفال يُختَتَنون سابقًا في إسرائيل بناءً على الوعود ذاتها التي قُطعت لأبنائنا. فقد سَفَكَ المسيحُ دمَه بالحقيقة لغسل أبناء المؤمنين تمامًا كما غسل البالغين؛ ومن ثَمَّ، ينبغي أن يستقبلوا علامة ما فعله المسيح من أجلهم وهذا السر المقدس؛ مثلما أمر الرب في الناموس عن طريق تقديم حَمَل عنهم يرمزُ لآلام المسيح وموته عقب ميلادهم بفترةٍ قصيرةٍ. وهذا هو السر المقدس عن يسوع المسيح. علاوة على ذلك، تفعل المعموديَّةُ لأبنائنا الشيءَ نفسه الذي فعله الختان لليهود. لهذا السبب يقول بولس عن المعمودية إنها "خِتَان الْمَسِيحِ".[3]

[1] متى 28: 19

[2] كولوسي 3: 9- 10

كولوسي 2: 11[3]

البند (35) سر العشاء الرباني المقدس

نؤمن ونعترف أن مخلِّصَنا يسوع المسيح قد وضع سرَّ العشاء الرباني المقدس وأسَّسه حتى ينمّي ويشدد مَنْ قد ولدهم ثانيةً بالفعل وضمهم إلى عائلته، أي كنيسته.

إذًا، يتمتع أولئك المولودون ثانية بحياة ثنائيَّة: واحدة جسديَّة وزائلة، حصلوا عليها من لحظة الولادة الأولى ويشترك فيها جميع البشر؛ وأخرى روحيَّة وسماويَّة، وتُعطَى لهم في ميلادهم الثاني، ووصلت لهم من خلال كلمة الإنجيل في شركة جسد المسيح؛ وهذه الحياة ليست عامةً، بل تخصُّ مختاري الله وحدهم. هكذا على المنوال ذاته، أعطانا الله خبزًا أرضيًّا وماديًّا مناسبًا كي يدعم الحياة الجسديَّة والأرضيَّة ويشترك فيه جميع البشر مثل اشتراكهم في الحياة نفسها، لكنه أرسل لدعم الحياة الروحيَّة والسماويَّة التي ينالها المؤمنون، خبزًا حيًّا نزل من السماء هو يسوع المسيح، الذي ينمي حياة المؤمنين الروحيَّة ويعضدها حين يأكلونه، أي حين يطلبونه ويقبلونه روحيًّا بالإيمان.

أسَّس المسيحُ خبزًا أرضيًّا ومنظورًا يرمزُ لجسدِه وخمرًا يرمزُ لدمه حتى يوضِّحَ لنا طبيعة هذا الخبز الروحي والسماوي وقد فعل ذلك ليشهد لنا من خلالهما أننا كما نأخذ هذا الرمز بين أيدينا ونمسكه في يقين، ونأكله ونشربه بأفواهنا، وبه تتغذَّى حياتنا، هكذا نستقبل في أرواحنا جسدَ المسيح ودمه الحقيقيين بصفته مخلصنا الوحيد لتعضيد حياتنا الروحيَّة. ونأخذ جسده ودمه بالإيمان الذي يُمثل يد أرواحنا وفمها.

إذًا، صار من المؤكد أن يسوع المسيح لم يوصِنا بممارسة فرائضه عبثًا، لأنه يعمل في داخلنا ويوضح كلَّ ما يمثله من خلال هذه الرموز المقدسة على الرغم من أن الطريقة التي يفعل بها ذلك تفوق إدراكَنا ونعجز عن فهمها مثلما أن أعمال الروح القدس خفيَّة وغير مُدرَكة. لكننا لا نخطئ حين نقول إن ما نأكله هو الجسد الطبيعي للمسيح وما نشربه هو دم المسيح. لكن طريقة تناولنا ليست عن طريق الفم، بل عن طريق الروح القدس بالإيمان. ومن ثَمَّ يظل المسيح جالسًا إلى الأبد عن يمين أبيه في السماوات، لكنه لا يكف عن تقديم نفسه لنا من خلال الإيمان. وتُعَد هذه الوليمة مائدةً روحيَّةً فيها يقدم المسيحُ لنا ذاتَه بكافةِ بركاته، وفيها يتيح لنا أن نستمتع به وباستحقاقاتِ آلامه وموته، داعمًا نفوسنا المسكينة المعذَّبة ومشدِّدًا ومعزيًّا إيَّاها عن طريق تناول جسده، ومنعشًا ومجددًا إيَّاها عن طريق شرب دمه.

مع أن الأسرار المقدسة متصلة بما ترمز إليه، لا يستوعب الجميعُ الاثنين معًا. في الواقع، يأخذ الخطاةُ الأسرارَ المقدسة بكل تأكيد إلى دينونتهم، لكنهم لا يأخذون حقيقة السر المقدس مثلما استقبل كلٌّ من يهوذا وسيمون الساحر السرَّ المقدس، لكنهما لم يأخذا المسيح الذي يرمز له هذا السر، والذي لا يقدم سوى للمؤمنين.

أخيرًا، نحن نستقبل هذا السر المقدس في اجتماع شعب الله بكل اتضاعٍ واحترام، ونشترك معًا في تقديم الشكر والحمد خلال تذكُّرنا هذه الذكرى المقدسة لموت المسيح مخلِّصنا، وهكذا نعترف بإيماننا وبالديانة المسيحيَّة. لذلك، لا ينبغي أن يتقدَّمَ أحدٌ إلى هذه المائدة دون أن يفحصَ نفسه جيدًا لئلا بأكله من هذا الخبز وشربه من هذه الكأس "يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ".[1] باختصار، تحفزُنا ممارسةُ هذا السر المقدس على تقديم محبة شديدة لله والأقرباء.

لذلك، نرفض جميع الأفكار المشوشة والاختراعات المستحقة الإدانة التي أضافها البشر إلى هذا السر ومزجوها معه، ونعتبرها تدنيسًا لها. ونؤكد على ضرورة أن نكتفي بالترتيب الذي علَّمه لنا المسيح ورسله ونتحدَّث عنه بالطريقة نفسها التي تحدَّثوا بها.

1 كورنثوس 11: 29[1]

البند (36) الحُكَّام

نؤمن أن إلهنا الصالح قد أقام، بسبب فساد الجنس البشري، ملوكًا، وأمراء، وحُكَّامًا، ويرغب في أن يُدار العالم بحسب قوانين وسياسات مُحددة حتى يكبح جماح البشر، ويسير كل شيء بلياقة وترتيب حسن. ولهذا الغرض، أمد الحُكَّام بالسيف "لِلِانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ".

الحكام مدعوون بهذه الطريقة للمساهمة في تقدم المجتمع بما يسر الله، كما أنهم يخضعون لناموس الله ويزيلون أي عقبة تواجه الكرازة بالإنجيل وكل جانب من جوانب العبادة الإلهية. ويجب أن يفعلوا ذلك مع الامتناع التام عن كل توجه ناحية ممارسة السلطة المطلقة، والعمل في المجال المكلفين به بالوسيلة المناسبة. ويجب أن يفعلوا ذلك حتى تكون كلمة الله لها مسارٌ حرٌّ نحو تقدم ملكوت يسوع المسيح وبما يقاوم كل قوة معادية للمسيحية. [1]

علاوةً على ذلك، من واجب كل إنسان، مهما كانت مكانته، أو مؤهلاته، أو حالته، أن يخضع للحُكَّام؛ ويُسدِّد الضرائب، ويُظهِر لهم الإكرام والاحترام الواجبين، ويطيعهم في كل ما لا يتعارض مع كلمة الله، ويتضرَّع من أجلهم في صلاته، حتى يسود عليهم الله ويرشدهم في جميع طرقهم، ولكي نَقْضي حياةً مُطمئنَّةً هادئةً في كلِّ تَقوَى ووقارٍ.[2]

[1] استبدل سنودس 1958 بما يتماشى مع 1910 و1938 الفقرة المذكورة أعلاه بدلًا من الفقرة التالية (التي رأى أنها غير كتابية): "ولا تقتصر مهمة الحكام على العناية بالملكية العامة وحدها، بل تمتد أيضًا إلى حماية الخدمة المقدَّسة، ومن ثم إزالة ومنع كل عبادات الأوثان والعبادات الزائفة؛ حتى تُهدَم بهذا مملكة ضد المسيح وتساهم في تقدُّم ملكوت يسوع المسيح. لذلك، عليهم أن يشجِّعوا الكرازة بكلمة الإنجيل في كل مكان، حتى يتمجَّد الله ويعبده الجميع، كما يوصي في كلمته".

[2] وجَّه سنودس 1985 أن تضاف الفقرة التالية إلى الحاشية السفلية: "لذا نحن نرفض ما يعلمه الأنابابتست واللاسلطويون بخصوص هذه المسألة، وبوجهٍ عام جميع من يرفضون السلطات العليا والحُكَّام، ويعيقون مجرى العدالة، ويدخِلون نظام الملكيَّة المشتركة للأشياء، ويعكِّرون صفو هذا الترتيب الحسن الذي أسَّسه الله بين البشر".

البند (37) الدينونة الأخيرة

أخيرًا، نؤمن حسب كلمة الله أنه حين يأتي الوقتُ الذي عيَّنه الرب (هذا الوقت غير معروف لدى جميع المخلوقات)، ويكتمل عدد المختارين، سيأتي ربُّنا يسوع المسيح من السماء، بجسده في صورةٍ منظورةٍ، كما صعد إلى السماء، في مجد وجلال عظيمين كي يُعلن نفسه ديَّانًا للأحياء والأموات. وسيحرق هذا العالم القديم بالنيران واللهيب كي يطهِّره. ثم يقف جميعُ البشر بصفةٍ شخصيَّةٍ أمام هذا الديَّان العظيم، رجالًا ونساءً وأطفالًا على حدٍّ سواء. ويضم ذلك أولئك الذين عاشوا منذ بداية العالم وحتى نهايته. ويستدعيهم "بصوت رئيس الملائكة وبصوت بوق الله."[1] لأن جميع الأموات سيقومون من الأرض، وتتَّحد أرواحُهم من جديد بأجسادهم الحقيقيَّة التي سكنت فيها قبلًا. أما من سيكونون على قيد الحياة آنذاك، لن يموتوا مثل الآخرين، بل سيتغيَّرون "في طرفة عين"[2] من الفساد إلى عدم الفساد.

ثم تُفتح الأسفار (أي الضمائر)، ويُدان الأموات بحسب ما عملوه في العالم،[3] سواء كان خيرًا أم شرًّا. بالحقيقة، سيعطي جميعُ البشر حسابًا عن كل كلمة بطَّالة تكلَّموا بها،[4] ويحسبها العالم مجرد تسلية ومزاح؛ ثم تنكشف جميع سرائر البشر وريائهم علنًا أمام الجميع.

ومن ثَمَّ، فإن التفكير في هذه الدينونة هو بالحقيقة شيء مروِّعٌ ومُخيفٌ للأشرار والأثمة، لكنه مبهجٌ ومعزٍّ جدًّا للأبرار والمختارين؛ إذ حينئذٍ سيكتمل خلاصُهم تمامًا، وسينالون ثمارَ تعبهم وضيقهم الذي احتملوه. وستظهر براءتهم أمام الجميع، وسيرون النقمة الرهيبة التي سينزلها الله بالأشرار، الذين اضطهدوهم، وقمعوهم، وعذَّبوهم بأشد قسوة في هذا العالم. وسيُدان الأشرارُ بحسب شهادة ضمائرهم عليهم؛ وإذ هم خالدون، سيُعذَّبون في تلك "النار الأبديَّة المُعدَّة لإبليس وملائكته".[5] على النقيض، سيُكلَّل الأمناء والمختارون بالمجد والكرامة؛ وسيعترف ابن الله بأسمائهم[6] أمام الله أبيه وملائكته المختارين والمقدسين؛ وسيمسح الله "كل دمعة من عيونهم"[7] وسيُعلَن آنذاك أن دعواهم، التي يحكم عليها اليوم الكثير من القضاة والحُكَّام على أنها هرطقةٌ وإثم، هي قضية ابن الله. وسينالون مكافأة سخيَّة وسيعطيهم الرب مجدًا لم يخطر قط على بال إنسان.

لذلك، نحن ننتظر هذا اليوم العظيم بكل لهفة واشتياق حتى نستمتع تمامًا بوعود الله في المسيح يسوع ربنا. آمين.

[1] 1 تسالونيكي 4: 16

[2] 1 كورنثوس 15: 51- 53

[3] رؤيا 20: 12

[4] متى 12: 36

[5] متى 25: 41

[6] متى 10: 32

رؤيا 7: 17[7]